استشهد بطلا في : 2 يوليو 1969
بدأ العدو يفهم ويدرك أن الطيارين المصريين يتمتعون بمهارات كبيرة ، ثم بدأ يفكر فى استغلال جوانب الضعف عندنا وجوانب القوة عندهم ، وبالتالى بدأت عمليات اختراق مجالنا الجوى عند منطقة الزعفرانة جنوبى خليج السويس ذلك لأنهم فهموا أن مدى طائرات الميج وكمية الوقود التى تحملها ستنفذ إذا ما اشتبك الطيار المصرى على هذه المسافة البعيدة ولن يتمكن من العودة ، وبدأوا يستدرجون طيارينا إلى أبعد مسافة فى هذه المنطقة .
وفى هذا اليوم انطلق النقيب طيار أحمد نور الدين فى تشكيل من 6 طائرات وتوجه إلى منطقة جنوب السويس مع زميل آخر ، وعندما وصل إلى هناك تبين أن العدو بدأ يلجأ إلى استخدام أسلوب الكمائن الجوية ، فكان يلقى بطعم صغير من طائرة أو اثنين داخل مجالنا الجوى وعندما تخرج إليها مقاتلاتنا تبين وجود أضعاف هذا العدد من الطائرات الإسرائيلية تنتظر فى نفس المنطقة على أرتفاع منخفض جدا لا يمكن كشفه بالرادار ، او تصل فجأة بتدبير سابق إلى منطقة الاشتباك وتصبح الطائرات الإسرائيلية أكثر منا بكثير ، وفى أوضاع أفضل وبالتالى يمكن إسقاط طائراتنا بسهولة .
وزاد من سوء الحظ فى هذا اليوم أن الزميل الثانى للنقيب أحمد نور تخلف عنه ، ولم يصل إلى منطقة الاشتباك التى وصل إليها أحمد نور وحده بطائرة ميج 21 ليكتشف كميناً من 8 طائرات ميراج استطاع أن يسق إحداها بسرعة خاطفة فى نفس الوقت أرسلت القيادة تعزيزاً من 4 طائرات ميج 21 لنجدته ، ولكنها كانت بالطبع متأخرة ولم تصل إلى منقة الاشتباك ، ولذلك تصرف رجلنا بفطرته وبعد أن أسقط إحدى طائرات الميراج بسرعة خاطفة بدأ يراوغ ليفلت من باقى طائرات الكمين وانقض بسرعة هائلة نحو الأرض ،
ثم بدأ يطير على ارتفاع منخفض جداً - حتى لا يكتشفه رادار العدو – عائداً إلى قاعدته ، وهناك فوق هضبة الجلالة بصحرائنا الشرقية ما بين البحر الأحمر ووادى النيل توقف محرك الطائرة لنفاد الوقود ومرة أخرى خدمته أنعكاساته ، فقفز بمقعد النجاة والباراشوت ليهبط فى منطقة تسمى (( الشيخ سلامة )) .. منطقة جرداء قاحلة لا يوجد بها أثر واحد للحياة أو لبشر فيما عدا هذا الضريح الصغير للشيخ سلامة
وشاء الحظ أن يهبط أحمد نور فى منطقة جبلية قريبة شديدة الوعورة ، ولأنه قفز بالباراشوت على أرتفاع منخفض فقد ارتطم ظهره بعنف أثناء ملامسته الأرض ، ولذلك لم يستطع الحركة ، وظل راقداً على ظهره فى انتظار النجدة ، كما كانت هذه الطلعة الأولى التى خرج فيها بدون صديق عمره سامح مرعى الذى كان فى إجازة قصيرة بالأمر .
(( وبعد عدة أيام من بحث قوات حرس الحدود برفقة صديقيه البطلين سامح مرعى وإيهاب ))
وعند أحد تلك الجبال فوجىء الجميع بذئب بشع المنظر يخرج من خلف هذا الجبل وعلى الفور قام أحد رجال حرس الحدود بفتح نيران بندقيته على هذا الحيوان المخيف الذى فر هارباً وبسرعة هائلة .
ولكن طوال هذه الثوانى التى كانت فى عمر الزمنذاته كان النقيب إيهاب ينظر إلى هذا الذئب ويتفحص كل جزء فيه ..
حتى فى أثناء الهروب كانت نظرات النقيب محمد زائغة تلاحق الحيوان الهارب .. وعندما اختف عن الأنظار تماماً وراء مرتفع آخر نظر سامح وإيهاب إلى بعضهما فى صمت تام .. وجلس سامح على حجر قريب واشعل سيجارة بدأ يدخنها بقوة وصمت ، ثم فجأة تقدم النقيب إيهاب إلى ما خلف هذا الجبل الكئيب وهناك وجد دائرة كاملة من المرتفعات والجبال تحيط بصحن منخفض من الأرض .. وهناك فى أسفل هذا الصحن كان النقيب أحمد نور يرقد على ظهره وقد أفترش الباراشوت الذى قفز به ..
كان هذا هو السبب فى أن طائرات البحث لم تستطع أن تراه و تحدد مكانه .. اقترب النقيب إيهاب أكثر من صديق عمره ليتأكد أنه أسلم الروح .. وكان المنظر بشعاً بشاعة الذئب القاتل ..
لحظات توقف خلالها كل شىء ، أصبح خلالها الموت هو الحقيقة الوحيدة ، لحظات كان خلالها الصديقان سامح وإيهاب فى عالم ثالث لا هو بالعالم الذى نعيش فيه حياتنا الدنيا ، ولا هو بعالم الحياة الآخرة ، وما أقسى تلك اللحظات التى تتحجر خلالها الدموع داخل العيون ، ويتوقف فيها القلب والعقل والوجدان بأكمله .. إنها قسوة أكثر إيلاماً من أقسى مأساة يستطيع الإنسان أن يبكيها ..
وحينما سمع الرائد سامح رجال حرس الحدود يطلبون بطانية ليحملوا فيها جثة الصديق قال : (( لفوه فى الباراشوت اللى نط به هو ده أحسن كفن لرجل حقيقى خسرته مصر كلها )) ...
**************
المصدر : ذئب فى قرص الشمس ، محمد عبد المنعم
ادرج في قائمة الشرف الوطني المصري باب القوات المسلحة بعد منحه قلادة تاميكوم من الطبقه الذهبية اعتبارا من 11/5/2016