جمعة الشوان او احمد الهوان, والثاني اسمه الحقيقي, ابن السويس الطيب يحكي للاجيال الجديدة محطات من اختراقه لجهاز المخابرات الاسرائيلية, حيث يكشف ان نشاطه كان بمعرفة ومباركة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. يكشف كذلك في حكايته المثيرة كيف وضع الموساد في طريقه 111 من اجمل الفتيات على اطباق حمراء لاغوائه وذلك قبل ان يغدق عليه الاموال طيلة عشر سنوات قضاها في اوروبا لكن رغم كل الاغراءات عجز الموساد عن شراء وطنية احد ابناء هذا الوطن الطيب الممتد من المحيط الى الخليج الذي اختار بدلا من الخيانة الطريق الاصعب وهو تضليل عملاء الموساد وايقاعهم في حبائل المخابرات المصرية شارعا في رسم ملامح ملحمته الوطنية الخاصة. في شقته بوسط القاهرة التي كانت غرفة عمليات لأقوى عملية تجسس مزدوج لصالح مصر.. كان اللقاء مع الشوان. بادرناه بالسؤال عن كيفية قيام المخابرات العامة المصرية بالكشف عن شخصيته بعد خداع عشر سنوات للموساد الاسرائيلي.. وكيف كان رد فعلهم؟ فأجاب: وكأنه مبرمجا.. بل لنتحدث عن البداية. يعتدل الهوان وكأنه يستعد للقيام بمهمة.. وتتغير ملامحه فيبدو مزهوا: البداية كانت هناك في السويس. بلد الشهداء والشجعان. نشأت في اسرة مكونة من سبعة ابناء واب وام كان ترتيبي الخامس بين اخواتي ومع انني لست الكبير.. الا انني تحملت مسئولية رعاية الاسرة مع ابي وانا في الرابعة عشرة وبعد حصولي على الشهادة الاساسية.. وفي فترة قصيرة اصبحت من الافراد الهامين في مجال اعمال الميناء والبحر, وعرفني الاجانب واختلطت بهم حتى تعلمت عدة لغات في سنوات قليلة, واطلق علي السوايسة في الميناء: الشاطر.. وكنت صاحب ومدير شركة سياحية ولم اكمل بعد عامي التاسع عشر. وبعد قرارات التأميم التي شملت شركتي تم تعييني رئيسا لقسم الاشغال براتب كبير في ذلك الوقت هو 48,75 جنيها مصريا. يتابع هذا الكلام هام جدا لمعرفة الخلفية التاريخية لقصة التجسس التي لا أتردد في وصفها برحلة الموت. المهم, لم اطق العمل الحكومي ورحت اجتهد حتى استطعت ان انظم عدة رحلات ترفيهية لاطقم السفن التي كانت ترسو على ميناء السويس, ومدها بالمواد التموينية.. ولكن الشركة فتحت فرعا في بور توفيق وعينوني مديرا لادارته. وحتى لا نطيل, فلنقفز الى يونيو 1967 وهذه الحرب الشرسة التي حولت السويس الى مدينة اشباح بسبب الغارات التي دمرت كل شيء واخذت في طريقها اللانش الذي بنيته بعرقي ودمي, ولم تترك سيارتي وبيتي. واصبحت لا املك شيئا, وكان التهجير, هذا اللفظ الذي مازال يرعبني ويتعسني حتى اليوم.. وفي القاهرة راحت الايام تقذف بي, وانا الهث وراء لقمة العيش دون جدوى.. وفي احدى الليالي وانا جالس محطم محبط تذكرت مبلغا من المال كنت ادين به لصاحب شركة البحر الاحمر في اليونان كنت قد امددته بقيمته مواد تموينية لاحدى سفنه, وكان مبلغا كبيرا 2000 جنيه استرليني. ويعيد الهوان الجملة بطريقة اخرى 2000 جنيه استرليني لدى الخواجه (باماجاكوس) في اليونان.. تستحق السفر.. فقد كان هذا المبلغ في ذلك الوقت ـ في عام 1968 ـ يساوي ثروة كبيرة يمكن ان يبدأ بها الانسان مشروعا ليس صغيرا. يلتقط الهوان انفاسه ويرشف قليلا من الماء ويستمر في الحديث: سافرت الى اليونان مع صديق لي.. ولم نكن نملك سوى 22 دولارا لكل منا 11 دولارا وهذا كل ما كان يسمح به للمصريين المسافرين للخارج وحين وصلنا اليونان وسألنا عن باماجاكوس كانت الصدمة.. انه ليس بالبلاد, ولكنه سيأتي بعد اسبوعين دارت بنا الدنيا, فما نملكه من مال لا يكفي (عيش حاف). وكنا نقيم في فندق متواضع. ولكنه التهم كل ما نملك في اقل من اسبوع وبعده سرنا نستدين من الفندق حتى يأتي الفرج ومعه (باماجاكوس) وكدنا نساق للشرطة التي هددتنا ادارة الفندق بها, وذهبنا هائمين على وجوهنا نبحث عن فتات العيش في القمامة, واذا بأحد الافراد يسألنا عن كوكايين, ووجدت الفرصة, فاشتريت اسبرينا وفلفلا ابيض وطحنتهما واعطيته هذا المسحوق الذي اشتراه بستمئة جنيه كانت كفيلة بأن ترد ديننا ونأكل منها حتى عودة الخواجة باماجاكوس, وبعد الاسبوعين جاء الخواجة الذي لطمني بقوله انه لا يملك المال لأنه تعرض لهزة كبيرة. فقد غرقت احدى سفينتيه, والاحوال ليست على ما يرام, ووعدني بأن يرد لي بعض الدين مع ضمان العمل على السفينة, ولم يكن امامي سوى الاستجابة ويستطرد الهوان: ما باليد حيلة..: وللأسف لم يوافق على الحاق صديقي بنفس العمل بل الحقه بعمل آخر.. وافترقنا ولم اره حتى اليوم.
هنا كانت بداية الرحلة.. والتجنيد؟!
- فعلا .... انطلقت السفينة حتى وصلنا الى بريستون في اول رحلة من اليونان وانا في العمل. واصدقك القول انني كنت سعيدا جدا لأنني طالما حلمت بالسفر الى اوروبا بلاد الاجانب الذين كنت اقابلهم كثيرا.. تعرفت على شاب يوناني على السفينة يدعى ديموس اصطحبني لشوارع بريستون بعدما رفض القبطان اعطائي اية نقود (لأنني حديث) على السفينة. فاعطاني ديموس عشرة جنيهات استرليني مقابل قيامي بالترجمة له اثناء حديثه مع الاجانب فلم يكن يعرف سوى اليونانية؛ وذهبنا الى احد البارات.. وجلسنا واذا بشاب اسمر يرمقني بطريقة ملفته.. لدرجة انني اعتقدت انني ربما اشبه احد معارفه, وقبل ان ابادره بالسؤال سألني عن اسمي في محاولة للتعارف فتعرفت عليه واعطيته بطاقة هوية مكتوبا عليها اسمي وعملي كمدير شركة ابوسنبل السياحية, فأبدى الشاب مزيدا من الاهتمام وسألني ولكن ماذا تفعل هنا, فقلت له بقليل من الحرج: حال الدنيا فانا عامل على احدى السفن اليونانية, فاستنكر الشاب هذا وعرض علي وظيفة بـ الف جنيه استرليني مع الاقامة والطعام باحدى الشركات وودعني على امل اللقاء في اليوم التالي. يقول الهوان: لم اذق طعم النوم في هذه الليلة ورحت انسج من خيالي قصصا.. اذ ان مبلغا كبيرا كهذا كفيل بأن يعيد اليّ كل ما فقدت من ثروة ومركز. وفي الصباح الباكر اسرعت الى ديموس ليصحبني الى نفس البار لنلتقي بالشاب الاسمر الذي لم يأت رحت انتظر ساعة وراء ساعة دون جدوى.. واثناء شرودي واحباطي اذا بالجرسون يقدم لنا كأسين من الويسكي واشار بيده الى فتاتين تجلسان على المائده المجاورة.. احداهما ذات جمال, لا يوصف لم اره من قبل, ولكنني قرأت عنه فقط.. قرأت عن الحوريات وهي قطعا منهن.. ابتسمت لي واشارت بكأسها ولكنني لم اكن اشرب الخمر, ولم اكن في حالة نفسية على ما يرام كما انني لم اكن املك سوى عشرة جنيهات استرليني لا تكفي لشيء, وحين لمحت (الفتاتان عدم شربي الويسكي انتقلتا للانضمام لمائدتي ومعي ديموس, قالت الاولى انا (جوجو) وصديقتي (ماري) وسألتني لماذا لا تشرب هذه دعوة.. فقلت لها ولكنني لا املك ما ادعوك عليه.. فاطلقت ماري ضحكة عالية وقالت هذه جوجو ابنة اشهر رجل اعمال ومليونير في مانشستر, وانا امتلك اربعة محلات سوبر ماركت.. قلت لها بحمية الشرقيين ولكنني لابد ان اقدم لكما الشراب.. فتدخلت (جوجو) بخفة تخلب العقول لنخرج من هذا المكان.. ولكن قبل ذلك لننزل الى الدور الاسفل. ذهبت معها انا وديموس.. واذا بي ارى الشاب الاسمر الذي تجاهلني تماما.. ورأيته يعطي جوجو حقنة مخدرات.. فاقتربت منه وسألته, ولكنه اسرف في تجاهله لي.. مما اشعرني بدهشة وغيظ في نفس الوقت.. وفي هذه الاثناء جذبتني جوجو من يدي بعدما وضعت في جيبي كمية من النقود لم اتبين عددها, وقالت بضحكة عالية: حتى لا تغضب, يلتقط الهوان انفاسه ويقول اذا حكيت الاحداث التي مرت بنا وجوجو منذ هذا اللقاء لا تكفي الدفاتر ولكن باختصار.. تطورت العلاقة بيننا وصارت قوية جدا لدرجة انها عرضت عليّ الزواج.. بل حددت موعدا للقاء مع والدها في مانشستر, واحضرت لي حقيبتين مليئتين بأفخر الملابس منها بدلة انيقة تليق بلقاء مليونير وعلمتني اصول البروتوكول في مثل هذه المناسبات. لم تستغرق مقابلتي لأبيها اكثر من نصف ساعة كانت الخلاصة انه موافق من حيث المبدأ على الزواج شريطة ان تقيم معه في فيلته وان اعمل باحدى شركاته براتب شهري الف جنيه استرليني.. فكان عليّ ان اقول انني متزوج ولدي ابنة وابن فقال ومن قال لك انك ستتركهم, سوف ترسل لهم نقودا وكل ما يحتاجون اليه.. يضحك الهوان بسخرية قائلا: كم كان كريما!! ويكمل حديثه: ثم سألني والد جوجو عن اتجاه السفينة التي اعمل عليها قلت له الى روسيا ولكنه قال: بل الى كوبنهاجن, وكم اندهشت حين اتجهت السفينة فعلا الى كوبنهاجن. وهناك وجدت جوجو تنتظرني على رصيف الميناء, واخذتني لنقضي الوقت معا حتى ابحار السفينة, وفي كل رحلة كانت تكرر الحكاية تماما, كل ميناء اصل اليه اجدها في انتظاري ونقضي اليوم معا. حتى وصلنا في احدى المرات الى ميناء بلفاست بأيرلندا الشمالية وكانت مشتعلة بالحرب الاهلية ومحظور التجول في شوارعها. فلم ابرح السفينة وشوقي الى جوجو يكاد يقتلني فاهتديت الى الاتصال بها تلفونيا. واذا بصوت يأتيني قائلا: انا شقيقة جوجو.. لقد ذهبت الى امريكا للزواج (يتلون وجه الهوان وكأنه يسترجع الحوادث وردود افعالها ايضا ومشاعره) ويقول بصوت هادئ: لقد دارت الدنيا بي فلم ابال بالبرد القارس وقفت على ظهر السفينة كالمجنون لماذا خدعتني. لماذا كان ابوها متجاوبا واعطاني هذا الامل الكبير.. ولم اشعر بنفسي الا وقد اصابتني الحمى.. حمى البرد والحزن.. ولم افق من غيبوبتي إلا بحقنة الطبيب.. وصوت جوجو وصورتها أمامي بشحمها ولحمها, وقالت معتذرة: هذه السيدة ليست شقيقتي بل صديقة وقد أخطأت, ولكنني لم أصدقها إلا حين صممت على مغادرتنا السفينة والذهاب رأسا لعقد قراننا.. صدقتها وقمت من فراشي سعيداً وقضينا اليوم معاً.. ثم اعادتني إلى السفينة وقالت لي: سوف تتجه السفينة إلى بلجيكا وهناك سنلتقي على الرصيف وإذا لم تجدني سنلتقي في اليوم التالي في هذا البار وأعطتني بطاقة بالاسم والعنوان. .. يبلل الهوان ريقه بقليل من الماء ليستكمل الحديث: شعرت في ذلك الوقت أنه لابد من الارتباط بجوجو التي أحببتها جداً ولم أستطع الاستغناء عنها وكان قراري الذي عقدت العزم عليه هو الزواج والاقامة معها بمانشيستر كما قال والدها.. وصلت السفينة إلى بلجيكا؛ ولكنني لم أجد (جوجو) على الرصيف كما عودتني دائماً وتذكرت اننا سنلتقي في اليوم التالي في البار... بحثت عن البطاقة المكتوب عليها العنوان.. رفعتها بحنان ورفق ووضعتها تحت الوسادة.. وفي الصباح الباكر ذهبت إلى هناك ورغم أن الموعد كان عصراً.. رحت استحلف الساعة أن تمر.. وتسكعت في الشوارع حتى جاء الموعد.. طرت إلى البار ابحث عن جوجو كطفل يبحث عن أمه.. وكانت الصدمة حين لم اجدها.. ومرت الساعات وأنا أكاد افقد عقلي.. ولأول مرة اطلب خمراً لأشرب لعلني أنسى هذا الشعور المميت بالاحباط والتعاسة والحزن, وفي هذه الاثناء إذا بالمقعد يهتز بسبب اصطدام, أحد الشباب به والذي راح يعتذر لي مسرفاً في أدبه.. فاندهشت لأن ما حدث لا يستحق كل هذا الاعتذار.. ولكنه بادرني بالقول وبطريقة فيها من الود ما زاد من دهشتي: أنا وصديقي راهنا عليك.. صديقي قال أنك من باكستان.. قلت له تخسرا انتما الاثنين فأنا من مصر... فضحك وقال اذن أنت الرابح فهيا لتأخذ ماربحت فسألته على أي شيء كان الرهان, قال: على سهره حمراء. يتابع الهوان: أعرف أن في الحديث بعض الاحراج, ولكنه أسلوب الموساد في اصطياد فرائسه: ـ المال والنساء بمعنى أدق, وأنا شاب وقتذاك في الثالثة والعشرين.. ويستطرد الهوان: لا أحد يصدق أن ما قدمه لي الموساد من نساء طوال سنوات عملي معهم وصل إلى 111 فتاة كانت جوجو أقلهن جمالاً
وهل ذهبت معهم؟
ـ طبعاً بعدما تعارفنا حيث قال لي: أنا جاك وصديقي أبراهام واعطيتهما نفس البطاقة التي أحملها بأسمى ووظيفتي كمدير لشركة أبي سنبل السياحية. وتحدثت معهما عن ظروفي وكيف وصل بي الحال لعامل على إحدى السفن اليونانية, فبادرني جاك بعرض لم يخطر على بال أحد حيث قال لي: أبي يمتلك شركة للحديد والصلب وأنا مديرها العام.. فما رأيك بوظيفة في هذه الشركة براتب خمسة آلاف جنيه استرليني شهرياً.؟ يضحك الهوان قائلا: كان هذا العرض طبعاً كفيلا بأن يجعلني أقع مغشياً علي, وأن ينسيني جوجو وما حدث منها, واتفقنا على اللقاء في اليوم التالي للاتفاق على التفاصيل ووضع الاتفاق في الصيغة النهائية وكيفية التخلص من العمل على السفينة والحصول على جواز سفري للالتحاق بالعمل الجديد. وفي اليوم التالي وجدتهما على الرصيف الذي ترسو عليه السفينة فاستضفتهما, وأثناء انشغالي بغسل أكواب القهوة لمحت ابراهام يضع يده في جيب البالطو الخاص بي.. تجاهلت الموقف وكأنني لم ألحظ شيئاً ومضيت في استضافتهما, ثم دعيانني على العشاء في أشهر مطعم.. وهناك أصر على جلوسي في مكان على المائدة في مواجهة فتاة جميلة جداً.. أخذت هذه الفتاة تغازلني بشكل جريء.. ولكن حيائي منعني من النظر إليها, ويضحك الهوان قائلاً: لكن (أزاي) فقد كانت في مواجهتي تماماً... وهنا تدخل جاك وسألني فاشرت إلى الفتاة, فأشار علي أن ادعوها للانضمام إلينا, وفعلا قمت لأدعوها, وانضمت إلينا, وفي أثناء انشغالي بها إذا بجاك يبشرني بموافقة الشركة على انضمامي للعمل بها شريطة أن تكون هناك ضمانات خاصة بي مثل مستندات شركة السياحة... ولكنني أجبته موضحاً أن الحرب أتت على كل شيء ولولا هذا ما كنت هنا أصلاً.. وقلت له: كل ما أملك هو جواز سفري وليس معي بل مع القبطان, فقال جاك يمكن أن يضمنني لدى الشركة ولكن بشرط أن أكتب أسماء وعناوين وتلفونات أقاربي, وبعد ذلك أفتعل مشاجرة على ظهر السفينة حتى تتدخل الشرطة ويتم فصلي واستلم جواز السفر.. ثم يتم تدخل جاك وأبراهام لاستلامي من الشرطة.. يقول الهوان موضحاً: هكذا كانت خطتهم التي رسماها ونحن نتناول العشاء.. وبعد الانتهاء من العشاء أشار على أبراهام اصطحاب الفتاة التي تعرفت عليها ـ وكانت تدعى راشيل ـ وذلك لقضاء الليلة في أحد الفنادق الكبرى وقد تم حجز جناح لي وطلب مني أن أكتب أسماء وعناوين أهم الشخصيات من الأقارب والمعارف وأتركها مع راشيل.. * أتدخل بالسؤال: وهنا ألم تلحظ أن هناك شيئاً غريباً؟ ـ ويستكمل قائلاً: طبعاً الضوء الأحمر بدأ يضيء داخلي وبدأت الشكوك والاستفسارات العديدة تقفز إلى ذهني: ما هي علاقة الضمانات بأسماء وكبار الشخصيات من الأهل؟ وما علاقة جوجو بهذا المكان الذي أعطتني عنوانه والتقيت فيه بأبراهام وجاك؟ ولماذا حاول ابراهام أن يتسلل بيده في جيب البالطو الخاص بي؟ وما قصة هذا العمل والعرض المغري المفاجئ؟ وأخيراً لماذا طلبوا مني أن اترك الأسماء مع راشيل وهي التي من المفروض ان تعرفنا عليها بالصدفة. * كيف تصرفت وما رد فعلك؟ ـ جلست على منضدة صغيرة وبدأت في كتابة أسماء حقيقية عن عائلتي ومعارفي وتعمدت كتابة أسماء بعض العسكريين من بينهم لواء يشغل مركزاً مرموقاً بإحدى محطات الصواريخ المصرية وتركت الورقة مع راشيل وعدت إلى السفينة وأنا على يقين من أنني وقعت فريسة لإحدى دوائر التجسس أو أجهزة المخابرات وطبعا لم أكن أعرف ولم أسمع عن شيء اسمه (الموساد) ولكن كل هذه الأحداث وأسماء ابراهام وجاك تشير إلى أنهم يهود..
ألم يكن أمامك فرصة للهرب؟
ـ إلى أين أهرب والغربة صعبة.. ثم أن جواز سفري مع القبطان ولابد حتى أعود لبلدي أن أحصل على الجواز, ولم يكن أمامي إلا تنفيذ ما اتفقت عليه مع ابراهام وجاك, وصعدت إلى ظهر السفينة وافتعلت خلافاً مع أحد أفراد الطاقم وضربته ضرباً مبرحا, ولكن القبطان الذي كان يحبني لم يستدع الشرطة, ولم تفلح الحيلة, فسألت القبطان مباشرة أن يسلمني جواز سفري لأتمكن من مغادرة السفينة. ولكن أجابني بأن السفينة ستتجه إلى النرويج وهناك سيكون البديل ويمكن أن تتسلم جواز سفرك.. هكذا قال لي القبطان, وذهبت محبطاً لاحكي لأبراهام وجاك. فقال ابراهام ان السفينة ستتجه إلى الدنمارك.. وهنا بدأت شكوكي تتحول إلى يقين عندما رست السفينة في أحد موانئ الدنمارك. وهناك نزلت إلى رصيف الميناء لأجد ابراهام يستقبلني بحرارة, وأخبرته أن القبطان قال لي أن البديل لم يتوفر فأخرج ابراهام من جيبه خطابا عليه طابع مصري بخاتم مصري ومكتوبا عليه اسم الراسل (أم الهوان) يقول الهوان: أدركت الخدعة وأخذت الخطاب وذهبت إلى القبطان منهاراً وقلت له أمي بين الحياة والموت ولابد أن أسافر لأراها... ويستدرك الهوان قائلاً: أمام هذه الحالة الانسانية وافق القبطان على تسليمي جواز سفري والسماح لي بمغادرة السفينة. وما أن امسكت بالجواز حتى طرت إلى ابراهام, وفي إحدى السيارات قريباً من الميناء جلسنا وهنأني على تسلمي جواز سفري وفوجئت به يخرج من جيبه لفة نقود. قلت له.. ما هذا.. قال خمسة الاف استرليني راتب شهر مقدماً.. وطلب مني أن أستقل القطار من كيلي إلى بريمن.. وهناك ـ الكلام لابراهام ـ ستجد في مواجهة محطة القطار فندق كولومبس وجناحاً محجوزاً باسم مسيو عبدالرحمن.. انتظرني هناك... ويمضي الهوان في كلامه قائلا: ودعني ابراهام وخرجت ابحث عن سيارة أجرة تصحبني لمحطة القطار فوجدت سائق تاكسي يقف أمامي ويسألني عن وجهتي فقلت إلى محطة القطار فعاد وسألني إلى أين ستسافر قلت له إلى بريمن فقال ماذا لو أوصلتك مقابل مائة دولار, وكنت أعرف أن تذكرة القطار قيمتها 120 دولارا فوافقت, وفي الطريق راح يدعوني على مشروبات ومأكولات بأكثر من مائة دولار.. ولم يكن هناك أدنى شك أن هذا السائق تابع لأبراهام. ويمضي الهوان في سرد الأحداث وصلت الفندق وسألت عن الجناح المحجوز لي باسم مسيو عبدالرحمن, فاصطحبني عامل الفندق إلى جناحي وإذا بي لا أجد أي أثاث وقبل ان أبدي دهشتي وجدت العامل يمسك بريموت كنترول ويقوم باخراج الاثاث من الحائط.. ويقول الهوان: رغم انبهاري الشديد إلا أن التوتر كان مسيطرا على كل حواسي من هذا المجهول الذي ينتظرني.. وعدم تمكني من الفكاك مما وقعت فيه.. ويكمل الهوان: في اليوم التالي استيقظت على طرق ابراهام وجاك على باب غرفتي ومعهما العامل يحمل ما لذ وطاب من طعام.. فاستقبلتهما بشعور غريب جداً ولكنني حاولت جاهدا أن أكون طبيعياً.. ورحنا نتناول الافطار ولم أستطع منع نفسي من الشرود.. الذي قطعه جاك بقوله بالعربية الركيكة: (عشان يبقى فيه عيش وملح) رغما عني لم أستطع التجاوب معه بل ذهبت بفكري الى السويس حيث القتلى والخراب والدمار ووجدتني اقول في نفسي عيش وملح معكم يا سفاحين! كيف ومرة اخرى يقطع شرودي ابراهام الذي بادرني بالقول: لابد أنك تفتقد الاسرة وهنا افقت وخشية ان يقرأ احدهما افكاري.. قلت له متصنعا الاسى: فعلا وحشوني قوي فهذه اول مرة ابعد عنهم.. فتدخل جاك قائلا: سوف تراهم يا هوان, وقبل ان ابدي دهشتي او اتساءل كيف اكمل قائلا: انت تعرف اننا نمتلك شركة للحديد والصلب ونرغب في افتتاح فرع لها في مصر.. وستتولى انت ادارته, نريدك ان تفتح مكتبا في ارقى شوارع القاهرة بطاقم سكرتارية يجيد اللغات.. كما تعلم فان الراتب الشهري خمسة الاف استرليني ومصاريف للمكتب ألف استرليني للعام كله..
* وكيف استقبلت هذا العرض؟
ـ كنت انتظر منهما الافصاح عن حقيقتهما, ولكن الذي حدث انهما لهم يعطياني فرصة لمجرد التعليق اذ راحا يتكلمان بشكل متواصل كل واحد يلتقط من الاخر الكلمة ويكمل.. فبعدما تحدث جاك عن مكتب القاهرة.. تدخل ابراهام قائلا هناك العديد من السفن المحتجزة في البحيرات سيتم بيعها في مزاد علني عالمي.. نريد كل شيء عن هذه السفن, الاطوال والاحجام, وما تقوم بشحنه. وكل التفاصيل الخاصة بها.. لاننا ننوي الدخول في المزاد وشراءها, والتقط جاك الكلمة مشيرا الى حقيبة وقال: في هذه الحقيبة (185) الف دولار مصاريف فتح المكتب وتأثيثه, كما اشار الى حقيبتين كبيرتين قائلا: وهذه الحقائب بها ملابس وهدايا لزوجتك وابنائك, واختتم جاك كلامه قائلا: هل أنت مستعد للقيام بأول مهمة فمسألة السفن هامة جدا.. اجبته متظاهرا بالزهو والسعادة: يا عزيزي بالتليفون تكون كل التفاصيل لدي منطقة القناة كلها تحت امري. * يصمت الهوان برهة مسترجعا تلك الاحداث, فابادره بالسؤال: هل تحاول التذكر!؟ ـ يطلق الهوان ضحكة كلها مرارة ويقول: كيف انسى؟! ان هذه الاحداث التي مر عليها اكثر من ثلاثين عاما لم تتركني لحظة, بل لم انس منها اي تفصيلة وكأنها حدثت بالامس.. ويعتدل الهوان في جلسته ويسترسل مستكملا ما حدث قائلا: لقد تركاني ـ يقصد ابراهام وجاك ـ يومين لانعم باجازة اقضيها في مرح وسهر.. ولكنني لم انعم حتى بنوم هادئ لدقائق فقد بات كل شيء واضحا وضوح الشمس. في اليوم الثالث حضر ابراهام وجاك واوصلاني للمطار وقالا لي سنراك في فرانكفورت حيث ترانزيت الطائرة.. وفعلا وصلت الطائرة لمطار فرانكفورت وهناك تقابلت معهما ليبديا مزيدا من التأكيد والاهتمام على مهمتي
ويستدرك الهوان قائلا: لقد كانت رحلتي من فرانكفورت الى القاهرة من اسرع ما يمكن فقد شرد ذهني وراحت تتراقص امامي العديد من الاحداث متشابكة معقدة بداية من السويس وايام الرغد قبل الحرب, ثم هذه الحرب المدمرة وهؤلاء الصهاينة المتوحشون الذين اتوا على كل اخضر ويابس وقتلهم الاطفال والنساء قبل الرجال.. وفي غمرة تفكيري وشرودي سمعت المضيفة تعلن عن وصول الطائرة لمطار القاهرة وتطلب ربط الاحزمة.. ولم أكن اصلا فككت هذا الحزام منذ ركوب الطائرة. نزلت من الطائرة مسرعا.. وفي الدائرة الجمركية تم تفتيشي وتفتيش حقائبي.. والغريب انهم لم يجدوا الـ (185) الف دولار فقد قام ابراهام باخفائها بطريقة جهنمية. استقليت (تاكسي) من المطار واسرعت لاولادي وزوجتي الذين جمدتهم المفاجأة السعيدة بقدومي دون اخبارهم مسبقا.. وفي اليوم التالي زرت ابي وامي في الصعيد حيث استقروا فيه بعد التهجير, وكنت اشعر بالعبء الثقيل الذي احمله على صدري, ورحت افكر كيف اتخلص من هذا العبء الجاثم فوق قلبي ويشل تفكيري حتى اهتديت الى الاجابة: لابد من الذهاب الى الزعيم الاب فحتما هناك سأجد الراحة والامان والسكينة ـ وقبل ان اسأله عمن يقصد.. قال: جمال عبد الناصر طبعا.. ولكن المشكلة الكبرى كانت.. كيف اصل؟! وقضيت ليلة مؤرقة, لم يغمض لي جفن.. افكر في السبيل الى الرئيس.. حتى اهتديت الى فكرة ربما افلحت, وهي الذهاب الى مبنى المباحث العامة وفي الصباح الباكر اخذت الحقيبة ذات الـ (185) الف دولار وذهبت الى احد المقاهي وسألت عن مكان المباحث العامة وعرفت انها بوسط المدينة وهناك على البوابة سألت عن رئيس المباحث العامة.. وبالطبع لم يكن الوصول اليه سهلا.. بل استغرق ساعات حتى سمحوا لي بمقابلته, وهناك سألني ماذا تريد؟ قلت له اريد مقابلة الرئيس جمال عبدالناصر فضحك ساخرا وامطرني سبابا ولماذا؟ فتمالكت نفسي وقلت له لدي معلومات تهم البلد اريد ان ابلغها لسيادته شخصيا. فقال الضابط الكبير وهل الرئيس متفرغ لامثالك.. قل لنا ماهي هذه المعلومات وسوف نتصرف فأصريت على موقفي.. فما كان من رئيس المباحث الا ان سلمني لمرؤوسيه ليقوموا بالواجب معي.. ويضحك الهوان بأسى قائلا: وامضيت معهم ثلاثة ايام في ضيافتهم.. ولم انطق سوى بكلمتين: اريد مقابلة الرئيس.. حتى أعياهم ألحاحي واصراري فاتصلوا بمكتب الرئيس وكان رئيسه وقتذاك سامي شرف, فطلب منهم ارسالي للرئاسة, فذهبت في حراسة من المباحث ومعي الحقيبة التي لم يكتشف احد ما فيها, وهناك سألني سامي شرف عن سبب طلبي الملح في مقابلة الريس, فأجبته لقد حاولوا معي ثلاثة ايام بلياليها ولم اقل شيئا.. واذا حاولت سيادتك ثلاث سنوات لن أقول شيئاً الا امام الرئيس فذهب شرف للرئيس جمال عبدالناصر يستأذنه في مقابلتي.. وجاءني شرف ليقول باحترام تفضل يا سيد هوان.
دي قصة جمعة الشوان ... أشهر الجواسيس المعروفين لحد الآن من بعد رأفت الهجان طبعا. و الجديد أنه هو اللي بيروي قصته كاملة ... و ان شاء الله تعجبكم و تفيد الكل و تكون مسلية و مشوقه و بعيدة عن الملل
الشوان يروي محطات اختراقه للموساد
عبدالناصر اعطاني رقم هاتفه الخاص واحالني الى المخابرات
تابعنا من قبل كيف استدرج الموساد الشوان في اوروبا ومحاولة اغرائه بالاموال والنساء, ثم قراره بالعودة الى مصر ولقاء اكبر المسئولين فيها يكشف لهم كل شيء ويضع نفسه تحت تصرفهم. وفي هذه الحلقة يواصل الشوان وصف لقائه بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي اعطاه رقم تليفونه الخاص مباركا بدء عملية الخداع للموساد قبل ان يحيله الى جهاز المخابرات المصري الذي شرح له قواعد اللعبة الجديدة. يحكي الشوان كذلك عن تدريب المخابرات الاسرائيلية له على العمل بالحبر السري وباقي الشيفرات الخاصة في المراسلات بينهما... لنتابع
يقول الهوان انه عندما وصل الى مدير مكتب عبدالناصر للمعلومات سامي شرف وطالبه بمقابلة عبدالناصر قام شرف باستئذان الرئيس في المقابلة فوافق وهنا استأذن سامي شرف الهوان في تفتيش الحقيبة التي كان يحملها معه وبداخلها الدولارات ويضيف الهوان: وافقت على تفتيش الحقيبة. فقد كنت اعرف جيدا انه لن يستطيع الحصول على شيء لأن المباحث قامت بتفتيشها اكثر من مرة ولم تفلح في العثور على النقود, وبالفعل لم يجد سامي شرف شيئا فأعطاني الحقيبة ودخلت لمكتب الريس. يتلون الهوان وكأنه عاد لهذا اليوم وتلك اللحظة ـ ويكمل قائلا: فوجئت بنفسي امام الريس جمال عبدالناصر بشحمه ولحمه بيعدا عن الصور المعلقة على الجدران فتلعثمت وكادت انفاسي تنقطع, ولاحظ الريس ذلك فوضع يده على كتفي مهدئا وقال مرحبا: اهلا يا سيد هوان, وطلب لي عصير ليمون وله فنجان قهوة, وكنت في امس الحاجة لهذا العصير حتى ألملم نفسي وارتب افكاري ـ يكمل الهوان كلامه وقد تحشرج صوته بالبكاء ويستدرك قائلا لم انس هذا اليوم في حياتي, ولولا هذه المقابلة ما كنت قمت بأي عمل, فقد كانت هذه المقابلة دفعة قوية لي. اقاطعه: وماذا حدث في هذه المقابلة؟ اقصد ما الحوار الذي دار بينكما؟ * يستمر الهوان في انفعاله, ويزيد, واذا به يجهش بالبكاء قائلا: الا تعرفي ماذا حدث لي عندما سمعت نبأ وفاة الريس؟! رغم انني اتلهف على معرفة ما حدث في مقابلة الريس, الا انني امام انفعاله وبكائه الحار وجدتني اقول باستسلام: ماذا حدث؟
* كنت في امستردام في احد الفنادق الفاخرة وجاء الخبر على التلفزيون ولسوء حظي كان هناك اعداد من السائحين الاسرائيليين الذي راحوا يحتفلون بهذه المناسبة باقامة حفل كرنفالي وانا معهم واخذت في الشرب والضحك لدرجة البكاء, وفي الحقيقة كنت ابكي بجد بل كان قلبي يتمزق, فموت عبدالناصر كان بالنسبة لي موت مصر بأسرها, وكان علي ان اتصنع السعادة, وفي اول فرصة للافلات منهم اسرعت الى غرفتي بالفندق وفي احد الاركان رحت في بكاء حار تحت ملاءة خشية ان يراني احدهم لدرجة انني مزقت باسناني الملاءة. ويستدرك الهوان باكيا: لقد مات الاب, ومات الرمز ـ لا انكر ان الهوان جعلني انفعل معه, فحاولت التماسك حتى لا يضيع منا الحديث, طلبت كوبين من الشاي حتى يهدأ, وعدت لسؤالي: ماذا تم عندما قابلت الرئيس عبدالناصر؟ بصعوبة يحاول الهوان التماسك قائلا: قصصت على الريس كل ما حدث بداية من السويس, مرورا باليونان حتى محطات اوروبا المليئة بالاحداث ثم قدمت له الحقيبة مؤكدا ان بها (185) الف دولار.. مشيرا الى ما حدث في المباحث وكيف فشلوا في العثور على المبلغ رغم تفتيشها مرات عديدة, فطلب مني الرئيس ان افتحها كما علموني ليشاهد بنفسه كيف تم الاخفاء. ثم سألني ولماذا لم تفتحها للمباحث فقلت له لاقدمها لسيادتك فلم يكن ببالي ان اصطدم بالمباحث... فضحك الرئيس ووضع يده على رأسي قائلا بصوت حنون: لا تغضب فهذه المباحث العامة ثم قال ـ رحمه الله ـ سأرسلك الى رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه.. لان ما حدث معك بالفعل شغل موساد.. وأوصاني ان اقص عليهم كل شيء كما فعلت معه. وودعني بعدما شكرني على موقفي مربتا على كتفي بحنان الأب مؤكدا على عدم اغفالي اي تفاصيل ثم اعطاني رقم هاتفه الخاص وقال اذا اردت اي شيء فاتصل بهذا الرقم وساكون قريبا منك.. ولا تنس ان مصر بحاجة إلى امثالك.. وتدمع عين الهوان ـ ويقول بصوت متحشرج: هذه الكلمة وحدها هي التي جعلتني اصمد كل هذه السنوات.
اسأله: لمن ارسلك الرئيس؟ للمخابرات العامة المصرية طبعا.
ويمضي الهوان في الحديث قائلا: ذهبت من الرئاسة بسيارة خاصة الى مبنى المخابرات العامة بكوبري القبة وهناك طلب مني الضابط ان اكتب كل ما حدث لي بالتفصيل.. فجلست لساعات اكتب كل شيء.. ثم طلب مني ان اقص كل شيء.. وبالفعل اعدت ما كتبته بالتفصيل ثم سلمت الحقيبة الملىئة بالدولارات وصور جوجو وخطاباتها وثلاثة عناوين كان ابراهام اعطاها لي في النمسا, والمانيا, ولندن لارسل على احدها خطاباتي ثم طلب مني الضابط المصري عنواني وعناوين اسرتي.. ووعدني بلقاء بعد اسبوع. ويضيف الهوان قائلا: لاول مرة اشعر بالراحة وان حملا ثقيلا ازيح من على صدري ويكمل الهوان الحديث قائلا: عدت للمنزل بعد غياب ثلاثة ايام لاجد زوجتي قد اخذت الاولاد وسافرت الى الصعيد عند ابي لتسأل عني وهي في قمة القلق, فذهبت على الفور الى هناك لاتعلل لهم بانني ذهبت الى السويس بعد الحصول على تصريح ثم ذهبت الى الدقهلية لتوصيل خطابات خاصة باصدقائي من اوروبا.
ـ وقبل ان يسترسل الهوان في التفاصيل بادرته بالسؤال عن موعده مع المخابرات وماذا تم هناك؟
* قال الهوان: ارتديت افخر ملابس وذهبت مسرعا الى سراي القبة وغادرت التاكسي بعيدا عن مبنى المخابرات ثم تسللت بعدما تأكدت تماما عدم وجود اي عيون ورائي, وفي مكتب احد القيادات الكبيرة جاءني صوت الضابط الكبير بتودد كيف حالك وحال فاطمة والاولاد والعائلة.. ثم قال لي بصوت قاطع هل تعلم ان مهمتك صعبة ولابد ان تكون قادرا عليها والا فلتصارحني من اولها. يقول الهوان: وجدني اقول بحماس سأفعل اي شيء من اجل مصر فطلب مني ان ابدأ فورا في البحث عن مكتب كما طلبوا مني .. وبالفعل خرجت من مبنى المخابرات الى وسط البلد وبحثت عن شقة فاخرة في عمارة راقية وبالفعل وجدت شقة في احدى العمارات الشهيرة في القاهرة وافتتحت المكتب وقمت بتأثيثه بأفخر الاثاث واطلقت على المكتب شركة (تريديشن) . وقمت باختيار طاقم من السكرتارية التي تجيد العديد من اللغات.
ـ وفيما كان نشاط الشركة؟
* يضحك الهوان بطفولية قائلا: بالطبع لم يكن هناك نشاط, وحتى لا يكتشف احد انها شركة وهمية قمت بتفريغ اسماء وعناوين وتليفونات السفارات الاجنبية بالقاهرة وطبعت مجموعة من الفواتير تحت دعوى انها فواتير نقل عفش السفارات, وقمت بتوزيع هذه الفواتير على العاملين بالمكتب لملئها .. ثم كنت اقوم بجمعها لحرقها بالمنزل, ويضيف الهوان: واستمريت على هذا الوضع حوالي عشرين يوما حتى جاء موعدي مع الرئيس زكريا او الضابط المصري الكبير وكان اسمه (الحاج احمد) وهناك طلب مني ان ابعث بالرسالة الاولى.
ـ وماذا كتبت؟
* نصها كان كالآتي: اخي العزيز / محمد سليم بعد التحية الطيبة التي ابعث بها من قلب مصر, وبعد ان اطمئنك على جميع الاهل والاقارب والاصدقاء, واتمنى ان تكون بصحة جيدة, والحقيقة يا صديقي ان الحياة هنا صعبة وحالة السوق لاتدعو للطمأنينة فكما انت تعلم لم اجد حتى الآن فرصة عمل لذلك اتمنى ان تبحث لي عن فرصة عمل لديكم وتبعث لي بالتذكرة واي مبلغ مالي يساعدني على الوصول اليكم .. على فكرة يا محمد الاهلي هزم الزمالك و جماهير الزمالك على المقهى لايحضرون جلساتنا اليومية بعد هزيمتهم الاخيرة.
تحياتي واشواقي وقبلاتي اخوك .. احمد الهوان ثم كتبت على الرسالة عنوان ابراهام في لندن
ـ وما معنى هذه الرسالة؟
* تعني انني قمت بتأثيث المكتب واصبح جاهزا للعمل.
ـ وهل جاءك رد؟
* بعد عشرة ايام جاءني الرد من محمد سليم وتذكرة باخرة ومئة دولار في رد الرسالة يقول محمد سليم ـ وهو ابراهام ـ لقد وجدت لك فرصة عمل ونحن في انتظارك.
ـ وماذا فعلت؟
* بالطبع ذهبت الى الحاج احمد بالمخابرات واعطيته الخطاب فراح يشرح لي ابعاد اللعبة, وطمأنني ان كل شيء يسير وفق مايريدون وطلب مني ان اسافر بعد تجهيز اوراقي بنفسي دون الاعتماد على المخابرات حتى يسير كل شيء طبيعيا
** الحيثيات متقتبسه عن مقال للكاتب / دكتور سمير محمود قديح
ادرج في قائمة الشرف الوطني المصري - باب الابطال و الشهداء المدنيين في 28/3/2014